فصل: ذِكْرُ حَدِّ الْمُقَامِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ بِهِ إِتْمَامُ الصَّلَاةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.وَقْتُ ابْتِدَاءِ الْقَصْرِ إِذَا أَرَادَ الْمَرْءُ السَّفَرَ:

أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلَّذِيَ يُرِيدُ السَّفَرَ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ إِذَا خَرَجَ عَنْ جَمِيعِ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ الَّتِي مِنْهَا يَخْرُجُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْصِيرِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُرُوجِ عَنِ الْبُيُوتِ فَقَالَ: كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ، رُوِّينَا حَدِيثًا فِيهِ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ الرَّاوِي: فَقَصَرْنَا الصَّلَاةَ وَنَحْنُ نَرَى الْبُيُوتَ، ثُمَّ رَجَعْنَا فَقَصَرْنَا وَنَحْنُ نَرَى الْبُيُوتَ، وَرُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ فَرَأَى خُصًّا فَقَالَ: لَوْلَا هَذَا الْخُصُّ لَقَصَرْنَا، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى الْمَدِينَةِ.
2272- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ثنا وِقَاءُ بْنُ إِيَاسٍ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَصَرْنَا الصَّلَاةَ وَنَحْنُ نَرَى الْبُيُوتَ.
2273- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللهِ، ثَنَا سُفْيَانَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ مِنَ الْبَصْرَةَ فَرَأَى خُصًّا، فَقَالَ: لَوْلَا هَذَا الْخُصُّ لَقَصَرْنَا.
2274- حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أنا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ عَنِ التَّقْصِيرِ، فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى الْمَدِينَةِ.
2275- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِ وَرُوِّينَا عَنْ عَلْقَمَةَ، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، وَأَبِي فَاخِتَةَ، أَنَّهُمْ قَصَرُوا حِينَ خَرَجُوا مِنَ الْبُيُوتِ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا جَاوَزَ الْجِسْرَ، أَوِ الْخَنْدَقَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّهُ يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، قَالَ: وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: رُوِّينَا عَنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَنَّهُ أَرَادَ سَفَرًا فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ فِي مَنْزِلِهِ، وَفِيهِمُ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ حَتَّى حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ شَاءَ قَصَرَ وَإِنْ شَاءَ أَوْفَى، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ ذَاهِبًا لِوَجْهِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْقَرْيَةِ حَتَّى حَانَتِ الصَّلَاةُ فَلْيَقْصُرْهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا دَخَلَ الْقَرْيَةَ رَاجِعًا مِنْ سَفَرِهِ، ثُمَّ حَانَتِ الصَّلَاةُ فَلْيَقْصُرْهَا حَتَّى يَدْخُلَ بَيْتَهُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلًا ثَالِثًا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ، رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا خَرَجْتَ مُسَافِرًا فَلَا تَقْصُرِ الصَّلَاةَ يَوْمَكَ حَتَّى اللَّيْلِ، وَإِنْ رَجَعْتَ أَوْ خَرَجْتَ لَيْلًا طَوِيلًا فَلَا تَقْصُرِ الصَّلَاةَ حَتَّى تُصْبِحَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَلْزَمُ الْمُقِيمَ مَا دَامَ مُقِيمًا إِتْمَامُ الصَّلَاةِ، فَإِذَا عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ وَخَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ وَلَمْ يَبْرُزْ عَنْ قَرْيَتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَمْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْإِتْمَامُ عَلَى أَصْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ، فَإِذَا بَرَزَ عَنْهَا قَصَرَ إِذَا كَانَ سَفَرُهُ يُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ، إِذْ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا نَعْلَمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْفَارِهِ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنِ الْمَدِينَةِ، فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، فَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِهِ، وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَلَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمٌ وَلَا نِصْفُ يَوْمٍ.

.ذِكْرُ الْمَرْءِ يُسَافِرُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ:

أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ بَعْدَ الزَّوَالِ مُسَافِرًا أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ، وَمِمَّنْ حَفِظْنَا عَنْهُ ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

.ذِكْرُ حَدِّ الْمُقَامِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ بِهِ إِتْمَامُ الصَّلَاةِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ إِذَا أَقَامَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ إِتْمَامُ الصَّلَاةِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا أَجْمَعَ عَلَى إِقَامَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
2276- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا مُسَدَّدٌ، ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا أَبُو عِيسَى، قَالَ: ثنا مُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِذَا سَافَرَ الرَّجُلُ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، بِإِقَامَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ.
2277- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ: قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ مُوسَى الطَّحَّانِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنُ عُمَرَ: إِذَا أَجْمَعَ عَلَى إِقَامَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَعْلَى مَا يَحْتَجُّ بِهِ قَائِلٌ هَذَا الْقَوْلُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رِوَايَةً تُخَالِفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَهِيَ أَثْبَتُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالَّذِي يَحْصُلُ مِنَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ، الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا أَزْمَعَ إِقَامَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، هَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، آخِرُ أَقْوَالِهِ كَمَا ذَكَرَ نَافِعٌ.
2278- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِذَا أَزْمَعْتَ بِالْإِقَامَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ.
2279- وَمِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ، قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَتْ مِنْهُ أَشْيَاءَ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي إِقَامَتِهِ فِي السَّفَرِ مُخْتَلِفَةً، ثُمَّ صَارَ إِلَى آخِرِ أَمْرِهِ إِلَى أَنْ كَانَ إِذَا قَدِمَ بَلْدَةً فَأَجْمَعَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، وَإِذَا قَدِمَ بَلْدَةً لَا يَدْرِي مَا يُقِيمُ فِيهَا قَصَرَ الصَّلَاةَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، فَإِذَا كَمَّلَهَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَدٍ وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: مَا وَافَقَ إِلَّا بِمَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْأَسْفَارِ، فَمَنْ نَزَلَهُ فَعَلِمَ أَنَّهُ يُقِيمُ فِيهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ حِينَ مَقْدِمِهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي مَا وَقْتُ إِقَامَتِهِ، وَمَتَى فِيهِ نُفَيْرُ مَنْ نَفَرَ لِيَنْفِرَ، قَصَرَ الصَّلَاةَ إِلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَتَمَّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَرْتَحِلَ عَنْهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا عَزَمَ عَلَى مُقَامِ عَشْرِ لَيَالٍ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِثَابِتٍ عَنْهُمَا، وَقَالَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ.
2280- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، ثنا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى مَكَّةَ فَيُقِيمُ عَشْرًا فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ.
2281- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِذَا قَدِمْتَ بَلْدَةً فَلَمْ تَدْرِ مَتَى تَخْرُجُ فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ، وَإِذَا قُلْتَ: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، أَخْرُجُ غَدًا فَأَقَمْتَ عَشْرًا فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا أَقَمْتَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ، رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ.
وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ: وَهُوَ: أَنَّ مَنَ أَقَامَ أَرْبَعًا صَلَّى أَرْبَعًا، هَكَذَا قَالَ: مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَاحْتَجَّ أَبُو ثَوْرٍ بِأَنَّهُمْ لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى مَا دُونَ الْأَرْبَعِ أَنَّهُ يَقْصُرُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الْأَرْبَعِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفُرُوضَ لَا تُزَالُ بِاخْتِلَافِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ سَادِسٌ:
2282- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ أَوْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ تِسْعَ عَشْرَةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ، فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَ عَشْرَةَ نَقْصُرُ الصَّلَاةَ.
وَفِيهِ قَوْلٌ سَابِعٌ: قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، إِذَا أَجْمَعَ لِعِشْرِينَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً قَصَرَ، فَإِذَا عَزَمَ عَلَى أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَتَمَّ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ، قَالَ: فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ، وَالسَّادِسَ، وَالسَّابِعَ، وَصَلَّى الْفَجْرَ بِالْأَبْطَحِ يَوْمَ الثَّامِنِ فَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى إِقَامَتِهَا فَإِذَا أَجْمَعَ أَنْ يُقِيمَ كَمَا أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ، وَإِذَا أَجْمَعَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَتَمَّ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقَاوِيلَ أَحَدُهُمَا: كَقَوْلِ الثَّوْرِيِّ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا وَطَّنْتُ نَفْسَكَ بِأَرْضٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ، وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا أَقَامَ ثَلَاثًا أَتَمَّ، فَهَذَانِ قَوْلَانِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِمَا.
وَفِيهِ قَوْلٌ عَاشِرٌ، ذَكَرَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، قَالَ: وَقَدْ قَالَ آخَرُونَ: وَهُمُ الْأَقَلُّونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: صَلَاةُ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ تَرْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، إِلَّا أَنْ تُقِيمَ بِبَلْدَةٍ لَكَ بِهَا أَهْلٌ وَمَالٌ فَإِنَّهَا تَكُونُ كَوَطَنِكَ، وَلَا يَنْظُرُونَ فِي ذَلِكَ إِلَى إِقَامَةِ أَرْبَعٍ وَلَا خَمْسَ عَشْرَةَ، قَالَ: وَمِمَّا احْتَجُّوا لِأَنْفُسِهِمْ فِي ذَلِكَ مَا سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ تَقْصِيرِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ.
2283- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الصَّقْرِ، يُحَدِّثُ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ شُقَيٍّ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّلَاةِ، فِي السَّفَرِ، فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إِنَّا نُطِيلَ الْمُقَامَ فِي الْغَزْوِ بِخُرَاسَانَ فَكَيْفَ تَرَى؟، فَقَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ أَقَمْتَ عَشْرَ سِنِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَقَامَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ بِسَابُورَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَأَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ بِبَعْضِ بِلَادِ فَارِسَ فَكَانَ لَا يَجْمَعُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَقَمْنَا مَعَ وَالٍ أَحْسَبُهُ قَالَ: بِسِجِسْتَانَ سِنِيْنًا، وَكَانَ مَعَنَا رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ قَالَ: كَذَلِكَ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَفْعَلُ، وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، آتِي الْمَدِينَةَ طَالِبَ حَاجَةٍ فَأُقِيمُ بِهَا السَّبْعَةَ الْأَشْهُرِ وَالثَّمَانِيَةَ، كَيْفَ أُصَلِّي؟، قَالَ: رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَأَقَامَ ابْنُ عُمَرَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ الثَّلْجُ حَالَ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الْقُفُولِ وَأَقَامَ مَسْرُوقٌ بِالسِّلْسِلَةِ سِنِيْنًا، وَهُوَ عَامَلٌ عَلَيْهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْصَرَفَ، يَلْتَمِسُ بِذَلِكَ السُّنَّةَ.
2284- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ غَزَّةَ يُكَنَّى أَبَا الْمِنْهَالِ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي رَجُلٌ أُقِيمُ بِالْمَدِينَةِ حَوْلًا، قَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ.
2285- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّا نُطِيلُ الْمُقَامَ بِالْغَزْوِ بِخُرَاسَانَ، فَكَيْفَ تَرَى؟، قَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ أَقَمْتَ عَشْرَ سِنِينَ.
2286- حَدَّثَنَا يَحْيَى، ثنا أَبُو بَكْرٍ، ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنْ أَقَمْتَ فِي بَلْدَةٍ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ تَقْصُرُ الصَّلَاةَ.
2287- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ، ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَقَامَ بِسَابُورَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
2288- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَقَامَ بِالشَّامِ شَهْرَيْنِ مَعَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ.
2289- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَهُ بِبَعْضِ بِلَادِ فَارِسَ سَنَتَيْنِ فَكَانَ لَا يَجْمَعُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ.
2290- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَهُ بِالشَّامِ شَهْرَيْنِ فَكُنَّا نُتِمُّ، وَكَانَ يَقْصُرُ، فَقُلْنَا لَهُ: فَقَالَ: إِنَّا نَحْنُ أَعْلَمُ.
2291- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ وَالٍ، أَحْسَبُهُ قَالَ: بِسِجِسْتَانَ، سِنِيْنًا، وَكَانَ مَعَنَا رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ قَالَ: كَذَلِكَ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَفْعَلُ.
2292- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، آتِي الْمَدِينَةَ طَالِبَ حَاجَةٍ فَأُقِيمُ بِهَا السَّبْعَةَ الْأَشْهُرِ وَالثَّمَانِيَةَ، كَيْفَ أُصَلِّي؟، قَالَ: رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: احْتَجَّ إِسْحَاقُ لِهَذِهِ الْأَخْبَارِ لِلْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْقَوْلَ الْعَاشِرَ وَاعْتَذَرَ فِي تُخَلُّفِهِ عَنِ الْقَوْلِ بِهِ، لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى تَوْقِيتِ وَقَّتُوهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَكَانَ مِمَّا أَجْمَعُوا عَلَى تَوْقِيتٍ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً.
وَفِيهِ قَوْلٌ حَادِيَ عَشَرَ: وَهُوَ أَنَّ الْمُسَافِرَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا أَنْ يَقْدَمَ مِصْرًا مِنَ الْأَمْصَارِ، هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانِيَ عَشَرَ: وَهُوَ قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُقَامِ لِلْخَوْفِ وَالْمُقَامِ لِغَيْرِ الْخَوْفِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَشْبَهَ مَا قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُقَامِ الْمُهَاجِرِ، فَلَا يَأْخُذُ مُقَامَ الْمُسَافِرِ وَمَا جَاوَزَهُ كَانَ مُقَامَ الْإِقَامَةِ، وَلَيْسَ يَحْسِبُ الْيَوْمَ الَّذِي كَانَ فِيهِ سَائِرًا ثُمَّ قَدِمَ، وَلَا الْيَوْمَ الَّذِي كَانَ فِيهِ مُقِيمًا ثُمَّ سَارَ، كَانَ غَيْرَ مُقَامِ حَرْبٍ وَلَا خَوْفٍ قَصَرَ، فَإِذَا جَاوَزَ مُقَامُهُ أَرْبَعًا أَحْبَبْتُ أَنْ يُتِمَّ، وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ أَعَادَ مَا صَلَّى بِالْقَصْرِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ، وَإِنْ كَانَ مُقَامُهُ لِحَرْبٍ أَوْ خَوْفِ حَرْبٍ فَإِنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ الْفَتْحَ يُحَارِبُ هَوَازِنَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ يَقْصُرُ، فَإِذَا أَقَامَ الرَّجُلُ بِبَلَدٍ أَثْنَائِهِ لَيْسَ بِبَلَدٍ مُقَامُهُ لِحَرْبٍ أَوْ خَوْفِ حَرْبٍ، أَوْ تَأَهُّبِ حَرْبٍ قَصَرَ مَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَإِذَا جَاوَزَهَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ حَتَّى يُفَارِقَ الْبَلَدَ تَارِكًا لِلْمُقَامِ بِهِ آخِذًا فِي سَفَرِهِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثَ عَشَرَ: رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ، فَمَنْ أَجْمَعَ مَسِيرَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ رَوْحَتُهُ وَغُدْوَتُهُ وَوَلْجَتُهُ، فَقَدْ أَجْمَعَ سَفَرًا فَلَهُ صَلَاةُ السَّفَرِ وَرُخْصَةُ فِطْرِ الصَّوْمِ، وَمَنْ أَجْمَعَ إِقَامَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ صَلَّى صَلَاةَ الْحَضَرِ وَعَلَيْهِ الصَّوْمُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَرْضَ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهَا مَسَاكِنُ الْآنَ، الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ يَجْمَعَانِ الدُّنْيَا وَيُعْقَدُ بِهِمَا الزَّمَانُ، وَيُكْمَلُ فِيهِمَا الصَّلَوَاتُ كُلُّهُنَّ، وَيَكُونُ فِيهِمَا الصَّوْمُ. وَفِيهِ قَوْلُ رَابِعَ عَشَرَ: حَكَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، قَالَ إِسْحَاقُ: وَقَدْ خَالَفَ مَا وَصَفْنَا بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَقَالُوا: قَدْ مَضَتِ السُّنَّةُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فِي التَّقْصِيرِ لِلْمُسَافِرِ إِذَا كَانَ طَاعِنًا، فَإِذَا وَضَعَ الْمَزَادِ وَالزَّادَ وَتَرَكَ الرَّحِيلَ، وَأَقَامَ أَيَّامًا لِحَاجَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ، أَوْ نُزْهَةٍ فَهُوَ بِالْمُقِيمِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْمُسَافِرِ، فَعَلَيْهِ الْإِتْمَامُ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُقْصَرُ إِلَّا بِأَمْرٍ مُجْتَمِعٍ عَلَيْهِ، قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ عَلَى هَذَا الِاسْمِ الْإِقَامَةُ، قَالَ إِسْحَاقُ: وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ: إِذَا وَضَعْتَ الزَّادَ وَالْمَزَادَ فَصَلِّ أَرْبَعًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ رَأَى أَنْ يَقْصُرَ الْمُسَافِرُ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يَجْمَعْ مُقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِظَاهِرِ حَدِيثِ عُمَرَ: صَلَاةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَضَ اللهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَكُلُّ مُسَافِرٍ فَهَذَا فَرْضُهُ، إِلَّا مُسَافِرًا خَصَّهُ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إِجْمَاعٌ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ عَلَى مَنْ عَزَمَ عَلَى مُقَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً الْإِتْمَامُ، فَوَجَبَ الْإِتْمَامُ عَلَى مَنْ أَقَامَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً بِالْإِجْمَاعِ. وَقَدِ اعْتَلَّ الْمُزَنِيُّ بِمِثْلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ، وَقَالَ: يُقَالُ لَهُ: يَعْنِي الشَّافِعِيَّ، وَالْمَدَنِيَّ: أَجْمَعْتُمْ عَلَى قَصْرِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ اخْتَلَفْتُمْ فِي الْمُقَامِ الَّذِي يُتِمُّ، فَلَا يَزِيدُ مَا اجْتَمَعْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْصَارِ إِلَّا مُقَامًا تُجْمِعُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا سَرَّحَ ظَهْرَهُ، وَصَلَّى أَرْبَعًا قَالَ: فَإِنِ اعْتَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا». قَالَ: لَازِمٌ لِمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِ التَّمَامَ بِأَوَّلِ صَلَاةٍ مِنَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّ مَنْ أَقَامَ عَشْرًا أَتَمَّ الصَّلَاةَ، وَمَنْ أَقَامَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ قَصَرَ، فَحُجَّتُهُ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَصَرَ الصَّلَاةَ حَتَّى جَاءَ مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا عَشْرًا يَقْصُرُ حَتَّى رَجَعْنَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُ أَنَسٍ: أَقَامَ بِهَا عَشْرًا يَقْصُرُ يُرِيدُ مَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَةَ، خَبَرُ جَابِرٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
2293- حَدَّثَنَا يَحْيَى، ثنا مُسَدَّدٌ ثَنَا يَحْيَى، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، فِي نَاسٍ مَعِيَ، قَالَ: أَهْلَلْنَا أَصْحَابَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ خَالِصًا فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَقَامَ بِمَكَّةَ بِيَوْمٍ رَابِعٍ وَخَامِسٍ وَسَادِسٍ وَسَابِعٍ، وَخَرَجَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِمِنًى، ثَبَتَتِ الْأَخْبَارُ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَبِخُرُوجِهِ إِلَى عَرَفَةَ، وَرُجُوعِهِ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، وَبِمُقَامِهِ بِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ، وَمَسِيرَهِ إِلَى مَكَّةَ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَدَفَعَهُ رَحْلُهُ بِالْمُحَصَّبِ، وَهَذِهِ الْعَشَرَةُ الَّتِي أَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَةَ، فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَلَا حَجَّةَ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ مَنَ أَقَامَ بِبَلَدٍ عَشْرًا أَتَمَّ الصَّلَاةَ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ أَنَسٍ، إِذْ لَا سَبِيلَ، حَدِيثُ أَنَسٍ بِهَذَا السَّبِيلِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَسْعَدُ النَّاسِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، لِأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى عَدَدِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي صَلَّاهَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّامِ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ فِي حَجَّتِهِ، فَأَجَازَ أَنْ يَقْصُرَ مَنْ أَقَامَ مِقْدَارَ يُصَلِّي ذَلِكَ الْعَدَدِ مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَأَمَرَ مَنْ زَادِ مُقَامُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ بِالْإِتْمَامِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى مَنِ اتَّبَعَ فِعْلَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَدَ الْآخِذُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ.